logo-mini

كيف يؤثر الحجر الصحي سلبا على الذاكرة ؟

Partager

كيف يؤثر الحجر الصحي سلبا على الذاكرة ؟

لا شك أن جائحة فيروس كورونا المستجد، التي ضربت مختلف دول العالم، غيرت نمط حياة الناس على مختلف الأصعدة، و دفعت عديد البلدان إلى تطبيق إجراءات الحجر الصحي من أجل احتواء انتشار الفيروس، بيد أن هذا الاجراء و رغم دوره الإيجابي في الحد من تفشي كوفيد-19، إلا أنه قد يؤثر سلبا على الذاكرة.

و في هذا الصدد أكد استطلاع أجرته جمعية ألزهايمر البريطانية، وفق ما أفاد موقع « بي بي سي »، أن نصف المشاركين في هذا الاستطلاع ذكروا أن ذاكرة أقاربهم و أصدقائهم المقربين تدهورت بعد أن عاشوا في عزلة.

و يبدو أن القيود التي وضعت في دور رعاية المسنين للحد من مخالطة الآخرين، و التي وصلت في بعض الحالات إلى حظر دخول زوار لعدة أشهر، قد أثرت سلبا على صحة نزلائها.

و من جهتها تجري جامعة كاليفورنيا بمدينة إيرفاين، بحثا عن تأثير الحجر الصحي على الذاكرة، بعد أن ذكر بعض الأشخاص النابغين، الذين يتمتعون بذاكرة أحداث شخصية خارقة تتيح لهم تذكر أحداث مثل شراء تذكرة سينما منذ 20 عاما، أن ذاكرتهم تخونهم في الآونة الأخيرة.

العزلة و تأثيرها على الذاكرة

و في هذا الشأن، و وفق ذات المصدر، كشفت الأبحاث التي أجريت عن الذاكرة عن طرق عديدة قد تؤثر من خلالها بيئتنا المعزولة الجديدة على ذاكرتنا.

و لعل أبرز العوامل التي كشفت عنها هذه الأبحاث هو العزلة، فانعدام التواصل المجتمعي قد يؤثر سلبا على الدماغ، و يتضاعف هذا التأثير على أولئك الذين يعانون بالفعل من اضطرابات الذاكرة.

و إلى ذلك و على الرغم من أن بعض الدراسات أشارت إلى أن معدلات الشعور بالوحدة لم تتغير أثناء الجائحة، فقد أصبحت التفاعلات المجتمعية للكثيرين تقتصر على عدد قليل من الناس. 

و ضيعت تدابير الحجر الصحي على الأفراد مزايا الأحاديث الجانبية في أروقة الشركات أو في الحفلات، حيث يتجاذبون أطراف الحديث مع عشرات الأشخاص في أمسية واحدة، و يروي كل واحد منهم تجاربه للآخر.

و معلوم أن تكرار القصص يساعد على ترسيخ الذكريات، من خلال نقل المعلومات عن الأحداث و التجارب إلى الذاكرة طويلة الأمد. و إذا مُنع الأشخاص من مخالطة الآخرين، لن يكون مستغربا أن تبدو هذه الذكريات مطموسة.

و قد يؤثر غياب النظام اليومي و القلق من الوباء على أنماط النوم، و كل ذلك يجعل الأفراد منهكين طوال اليوم. و عندما يجتمع الإرهاق مع القلق و تتشابه الأحداث و الأيام و يتراجع التفاعل المجتمعي، لا يكون من الغريب أن « تخذلنا الذاكرة ».

و أشار مكتب الإحصاءات الوطني في المملكة المتحدة إلى أن معدلات الاكتئاب تضاعفت مؤخرا، و معلوم أن الاكتئاب و القلق يؤثران سلبا على الذاكرة. فالمخاوف ترهق الذاكرة و تعجز معها عن استيعاب معلومات أخرى لاستحضارها لاحقا.

التواصل الافتراضي هل يعوض التفاعلات المجتمعية الواقعية

و حسب موقع « بي بي سي »، فإن البعض قد يلجؤون لتعويض هذا النقصفي التفاعلات المجتمعية الواقعية إلى الإكثار من التواصل عبر الإنترنت.

بيد أن التواصل عبر الإنترنت يختلف عن مقابلة الآخرين وجها لوجه. فعندما تتحدث مع الآخرين عبر الإنترنت، قد لا تتطرق إلى تلك التجارب البسيطة التي تبدو تافهة. 

و يحتاج إيصال التجارب عبر النت إلى تجميل و إضافة بعض التفاصيل المثيرة حتى تصبح جديرة بجذب انتباه المستمع حتى يتحمل انقطاع الخط أو تأخير وصول الصوت أو الصورة. و قد تنشغل بهذه التفاصيل عن إبراز التجربة لتترسخ في الذاكرة.

تنشيط الذاكرة

و في هذا السياق قالت كاثرين لوفداي، أستاذة العلوم العصبية المعرفية بجامعة ويستمنستر: « إذا كانت الأيام لا تختلف كثيرا عن بعضها، فإن محاولة تذكر التجارب التي مررت بها لن تقل صعوبة عن محاولة عزف مقطوعة على بيانو يخلو من المفاتيح السوداء ».

و لفتت لوفداي إلى تأثير قضاء بعض الوقت في مواقع جغرافية مختلفة على الدماغ و الذاكرة. مشيرة إلى « أنه و بمجرد أن نغادر منازلنا، ننتبه لتفاصيل الشوارع و المعالم من حولنا. و تنشط منطقة من الدماغ يطلق عليها اسم الحصين أو قرن آمون، عندما نحاول التعرف على المسار الذي ينبغي أن نسلكه وسط الغابة أو عبر شوارع المدينة.

و أوضحت دراسات أن منطقة الحصين لدى سائقي سيارات الأجرة في لندن كانت أكبر حجما من المعتاد لأنهم يحفظون الشوارع عن ظهر قلب. 

و اكتشفت فيرونيك بابوت، عالمة الأعصاب بجامعة ماكغيل في كندا، أنه إذا عاش الناس في بيئات مغلقة و نمطية متكررة عندما يتقدم بهم العمر، يتراجع استخدامهم لمنطقة الحصين.

و لاحظت أيضا أن السائقين الذين يعتمدون على نظام تحديد المواقع العالمي، و لا يحاولون البحث عن وجهتهم، لديهم ذكريات مكانية أقل، و هذه الذكريات تعتمد على منطقة الحصين.

و هناك عدة أمور قد تساعد على تنشيط منطقة الحصين من الدماغ. من جملتها الخروج لممارسة رياضة المشي، و لا سيما في شوارع غير مألوفة، حيث يسهم هذا الأمر في تنبيه الدماغ لتحديد الاتجاهات و التعرف على المسار الصحيح.


Poster un Commentaire

dix-huit − douze =

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.