logo-mini

اختطاف الأطفال لاستخراج الكنوز : « خرافة و شعوذة » تنهش جسد المجتمع المغربي

Partager

اختطاف الأطفال لاستخراج الكنوز : « خرافة و شعوذة » تنهش جسد المجتمع المغربي

طفى على سطح الأحداث المجتمعية في الآونة الأخيرة، موضوع قديم حديث ما يزال مثار جدل في المجتمع المغربي لحد الآن، يتعلق الأمر بظاهرة اختطاف الأطفال بغرض استغلالهم في استخراج « الكنوز الدفينة »، لا سيما فئة بعينها من الأطفال يطلق عليهم اسم « الزوهريين » الذين ينفردون بميزات جسدية خاصة، ما يجعلهم عرضة للاختطاف و القتل من لدن « فقهاء مشعوذين » يستغلونهم في « طقوس » استخراج الكنوز.

لاهثين وراء النفائس المدفونة تحت باطن الأرض، يستخدم « فقهاء مشعوذون » طقوسا و وصفات « سحرية »، من خلال استغلال أطفال « زوهريين » صغار لا يجب أن يتجاوز عمرهم 10 سنوات حسب معتقداتهم الخرافية.

 و حسب معتقدات « الفقهاء المشعوذين » فإن الطفل « الزوهري »، يكون ذكرا أو أنثى، يتميز بعلامات وصفات جسدية خاصة، كأن يكون في كف يده خط متصل يفصل راحة يده بشكل عرضي، و قد تكون له علامة أخرى على مستوى لسانه بحيث يكون مفلوقا أي يقطع صفحة لسانه خط بشكل طولي، علاوة على أنه قصير النظر، إذ لا يستطيع رؤية الأشياء البعيدة، كما أن عينيه تتميزان ببريق خاص، و تكون نظرة العين اليمنى كأنها تصب في العين اليسرى، و هي ميزات لا تتوفر عند غيره من الأطفال.

و يعتبر تقديم الأعضاء البشرية للأطفال « الزوهريين » و إهدائها قربانا للجن، حسب المنظور الإجرامي لهؤلاء الشرذمة من « الفقهاء المشعوذين »، إحدى أهم الوسائل التي يستعينون بها  في عملية استخراج الكنوز الدفينة من باطن الأرض، لا سيما في الجبال أو المناطق النائية و المنسية.

و بعد إتمام المشعوذين لطقوس الدجل و السحر اللازمة وفق معتقداتهم الخرافية لاستخراج « الكنز الدفين »، ينتهي الدور الذي من أجله تم اختطاف الطفل « الزوهري »، حيث يصبح الموت مصير طفل بريء، و ذلك بغية التخلص من أي دليل قد يقود إلى اكتشاف جريمتهم، و في أحسن الأحوال يتم رميه في حالة يرثى لها على قارعة الطريق، كما قد يتم بيعه إلى عصابات أخرى متخصصة في التنقيب عن الكنوز.

و لعل آخر مشاهد هذه « الظاهرة الغريبة » التي عنوانها « الدم و الخرافة »، حادثة مقتل الطفلة إلهام، التي لا يتجاوز عمرها عاما و نصف، حيث عثر عليها يوم السبت 12 دجنبر 2020، جثة هامدة بأحد جبال الجماعة القروية تيولي باقليم جرادة، بالجهة الشرقية للمملكة، و ذلك بعد أزيد من عشرين يوما على اختفائها من أمام منزل والديها.

و قال أب الضحية، في تصريحات صحفية « وجدت ابنتي جثة هامدة في أحد الجبال و تبعد عن المنزل بأربعة كيلومترات »، مضيفا: « ليست لدي أي عداوة مع أي شخص و لا شك في أحد ما عدا « فقهاء » استخراج الكنوز ».

و تحوم الشكوك حسب تقارير إعلامية حول « فقيه »، كان يتردد على بيت العائلة ربما يكون وراء عملية اختطاف إلهام، و يشتبه في أنه قدمها قربانا للجن بغرض الحصول على النفائس المدفونة تحت باطن الأرض.

و بدوره أكد جد الضحية، أن ابن أخ « الفقيه » المشتبه فيه، قدم عنده و أخبره بوجود كنز تحت منزله، ما يعزز فرضية أن اختطاف الطفلة إلهام وقتلها وراءه عصابة استخراج و اصطياد الكنوز.

و في حادث مماثل ينفطر له القلب يعود إلى شهر شتنبر الماضي، عثر على الطفلة الصغيرة نعيمة جثة هامدة فوق أحد الجبال القريبة من مسقط رأسها بدوار تفركالت ضواحي مدينة أكدز، بعد 41 يوما من اختفائها في ظروف غامضة.

و وفق تصريحات عائلة الطفلة نعيمة، حسبما ذكرت تقارير إعلامية، فإن الطفلة الضحية « زوهرية »، و من المرجح حسب عدة مصادر أن عملية اختطاف و قتل الطفلة نعيمة لها علاقة بعصابات التنقيب عن « الكنوز الدفينة » التي قامت باستغلال الطفلة الصغيرة في أحد طقوسها الدموية الخرافية.

شعوذة احتضنها « فقهاء « 

و في هذا الصدد يقول الباحث في الشأن الديني، رشيد أيلال، إن ظاهرة اختطاف الأطفال « الزوهريين » و إسالة دمائهم، تفشت بشكل كبير، واصفا إياها بالشعوذة التي احتضنها و وجدت التربة الخصبة لها من طرف « فقهاء » فسروا النصوص القرآنية تفسيرا خاطئا حول السحر وقوته و تأثيره.

و اعتبر صاحب كتاب « صحيح البخاري : نهاية أسطورة »،  في تصريحه ل » لوكس راديو »، أن ما يفعله هؤلاء « الفقهاء » بالأطفال « الزوهريين » من خطف و ذبح، يعد جريمة شنعاء لا تؤتي أي أكل للحصول على كنز دفين، معتبرا أن كل هذه الأمور مجرد شعوذة و كذب و لن يستطيعوا تحقيق أي شيء من خلالها.

و وصف أيلال ممارسات هؤلاء « الفقهاء المشعوذين » في حق الأطفال، بأنها كذب و إجرام مغلف بالروحانيات و الغيبيات، مؤكدا أن ما يغذي هذه الممارسات هو « الفقه الإسلامي » و التفسير الخاطئ للقرآن الكريم.

و شبه الباحث في الشأن الديني، طقوس تقديم الأطفال « الزوهريين » قرابين إلى الجن، بالطقوس التي كانت سائدة عند الوثنيين القدامى، مضيفا : » مع كامل الأسف إذا كان أبو قراط قد حارب قبل الميلاد الشعوذة في كتابه « الأوبئة »، فإن المسلمين تتفشى فيهم الشعوذة بشكل رهيب ».

و أشار إلى أن « الفقهاء » يطرحون أفكارا على أن للسحر قوة و تأثيرا و أنه خطير، معتبرا أن الناس لم يأخذوا الأحكام الفقهية بتحريم السحر لكنهم يأخذون الأفكار المتعلقة بقوة السحر و تأثيره رغم أن هذه الأمور « غيبية و شعوذة » و ليست لديها أي قيمة.

و خلص أيلال إلى أنه آن الأوان « لكي نفهم أن السحر لا قيمة و لا تأثير له و هو مجرد أكل أموال الناس بالباطل »، مشيرا إلى أن القرآن الكريم عندما يتحدث عن السحر فإنه يقصد به خفة اليد، موردا في هذا الصدد حديث القرآن الكريم عن قصة سحرة فرعون الذين سحروا أعين الناس، و بالتالي فإنهم لم يغيروا طبيعة الأشياء بل فقط هناك خدع بصرية وخفة يد و تعاملات فيزيائية مع الضوء.

حماية الأطفال : مسؤولية مشتركة

لا شك أن ظاهرة اختطاف الأطفال و استغلالهم في استخراج « الكنوز الدفينة »، تقتضي تضافر جهود الجميع من أجل التصدي لها، حيث تبرز الحاجة إلى الأدوار المجتمعية من خلال دور الأسرة في مراقبة أطفالها و كذا دور المدرسة في التوعية و التحسيس بوجود الظاهرة و كيفية التعامل في حالات وجود أطفال « زوهريين » علاوة على دور المجتمع المدني في حماية هؤلاء الأطفال، فضلا عن دور المشرع من خلال سن قوانين زجرية و رادعة كفيلة بوضع حد للاهثين وراء أجساد أطفال أبرياء في سبيل استخراج كنوز تحت باطن الأرض.

و في هذا الشأن قالت نجية أديب رئيسة جمعية « ما تقيش أولادي »، في تصريحات صحفية سابقة، إن « الدولة لا تتحمل مسؤولية هذه الجرائم التي تقع في المجتمع، بل يجب استحضار مسؤولية الأسر أيضا، بحيث تغيب ثقافة التحسيس في الوسط العائلي، و يُترك الأطفال في الشارع، فضلا عن عمليات الاختطاف التي تتم أمام المدارس و المستشفيات ».

و أضافت نجيب وفق ذات المصادر أن « عصابات البحث عن الكنوز تعمد إلى الاستعانة بخدمات بعض النساء بغرض إعداد لوائح بأسماء الأطفال « الزوهريّين »، الذين يشترط فيهم ألا يبلغوا سن الرشد، معتبرة أنه « يتم اقتياد هؤلاء الأطفال إلى مكان الجريمة، اعتقاداً من المجرمين أن الجنّ يطلب قطرات من الدم، أو الضحية كلها، قصد استخراج الكنز ».

في الحاجة إلى نص قانوني

و أمام غياب أي نص قانوني صريح يعاقب على جريمة « اختطاف الأطفال بغرض استغلالهم لاستخراج الكنوز »، نستحضر العقوبات الواردة في القانون الجنائي المغربي المرتبطة بجريمة اختطاف القاصرين .

و في هذا السياق ينص الفصل 471 من القانون الجنائي المغربي على أنه :” من استعمل العنف أو التهديد أو التدليس لاختطاف قاصر دون الثامنة عشر عاما أو لاستدراجه أو إغرائه أو نقله من الأماكن التي وضع فيها من طرف من له سلطة أو إشراف عليه، سواء فعل ذلك بنفسه أو بواسطة غيره، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات ».

و حسب الفصل 472 من القانون الجنائي المغربي فإنه « إذا كان القاصر الذي وقعت عليه الجريمة المشار إليها في الفصل السابق تقل سنه عن اثني عشر عاما فعقوبة الجاني السجن من عشر إلى عشرين سنة ».

و يضيف الفصل 473 :” إذا أخذ الجاني من الشخص الذي كان القاصر تحت سلطته أو تحت إشرافه فدية مالية، أو كان غرضه أن يحصل على هذه الفدية، كانت عقوبته السجن المؤبد، مهما تكن سن القاصر المجني عليه. و مع ذلك، فإنه إذا عثر على القاصر حيا قبل صدور الحكم بالمؤاخذة، فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة.

و بالنسبة للفصل 474 من القانون الجنائى فإنه يؤكد :”في الحالات المشار إليها في الفصول 471 إلى 473، يعاقب على الاختطاف، بالإعدام، إذا تبعه موت القاصر ».

و ينص الفصل 475 على أنه « من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة، بدون استعمال عنف و لا تهديد و لا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من مائة و عشرين إلى خمسمائة درهم ».


Poster un Commentaire

cinq × quatre =

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.