العالم رهين الكمامة : بين اندلاع « الحرب الباردة الثانية » و ضرورة المصير المشترك
العالم رهين الكمامة : بين اندلاع « الحرب الباردة الثانية » و ضرورة المصير المشترك
في مقدمة كتابة الجديد « فيروس كورونا : العالم رهين الكمامة » الصادر باللغة الفرنسية، أشار الكاتب والأكاديمي المغربي حسين مجدوبي، إلى أن البشرية تحتفظ بصور قليلة بالأبيض والأسود عن الإنفلونزا الإسبانية (1918-1920)، والتي وُصفت بأنها واحدة من أكثر الأوبئة فتكًا، ورغم أنها لا تتجاوز 100 عام، فإن الصور تعطي انطباعا بأنها تنتمي لماض بعيد جدًا يستحيل إعادة إنتاجه مرة أخرى.
واعتبر مجدوبي في كتابه، الواقع في 162 صفحة من الحجم المتوسط والمكون من 11 فصلا، إلى أنه قد يكون هذا الانطباع الخاطئ بسبب إيمان الإنسان غير المشروط بالتقدم العلمي الذي حققه، لأن البشرية ، من خلال تحقيق قفزات نوعية بفضل بعض الاكتشافات مثل فك شفرة الحمض النووي والجينوم، وغزو القمر والمشاريع الطموحة لاستكشاف كوكب المريخ، تؤمن بالقدرة على السيطرة على الأمراض وخاصة الأوبئة.
وأضاف الكاتب والأكاديمي المغربي أنه فجأة، ومرة أخرى، يبدو أن صورا أيقظت البشرية، صور مشابهة لتلك التي التقطت عام 1918، حيث يمكن للمرء أن يرى أشخاصًا يرتدون أقنعة أو صورًا للمستشفيات الميدانية التي تستقبل المرضى. بيد أنها هذه المرة ليست بالأبيض والأسود، لكنها بجودة عالية الدقة.
وينطلق الكاتب في مؤلفه الصادر عن دار النشر « ألف بوكس »، بحثًا عن المريض صفر، كما يحلل سبب خروج البشرية أكثر انقسامًا من هذا الوباء، ويبرز كيف أن عدم الثقة بين القوى العظمى يعيق إنتاج لقاح لإنقاذ البشر من حالة شلل. مشيرا إلى أنه وفي مواجهة صعوبة إيجاد لقاح أصبح الدرع الأخير المتبقي للإنسان هو الكمامة، أو قطعة القماش التي يحاول بها ضمان استمراريته على كوكب الأرض.
وأوضح أن البشرية عانت ويلات الأوبئة سواء تلك الناتجة عن الفيروسات أو البكتريا، لكنها لأول مرة تعاني بشكل جماعي من جائحة فرضت عليها أول حجر صحي عالمي في تاريخها من الهند والصين الى القارة الأميركية مرورا بأوروبا وإفريقيا. معتبرا أن أكثر من 4 مليارات من البشر خضعوا للحجر الصحي.
وأورد الكاتب ملخصأً كتابه « الإنسانية عانت من أول حجر صحي في تاريخها، فعليها التحرك من أجل أجندة كونية تهتم بالتعليم والبحث العلمي والصحة والرفاهية للجميع، أي من أجل مصير مشترك واحد ».، موضحا كيف أحدث فيروس كورونا منعطفا في طريقة عيش الإنسانية وفرض عليها ما اعتبره » الحرب العالمية الثالثة غير المتوقعة، موردا تقارير وآراء مختلفة تتحدث عما يسمى « الحرب الباردة الثانية »، وهذه المرة بين بكين وواشنطن وليس بين واشنطن وموسكو.
الحرب الباردة الثانية
كتاب » فيروس كورونا: العالم رهين الكمامة »، توقف كثيرا عند التطورات الجيوسياسية التي تحملها الجائحة من خلال بدء تشكل خريطة دولية جديدة تتجلى في الفوز المعنوي للصين على الولايات المتحدة.
واستند الكتاب إلى أرقام وإحصاءات أظهرت نجاح الصين في احتواء الفيروس، مبرزا أنه لم يتجاوز عدد الموتى فيها 5 آلاف والمصابين 100 ألف، وهي الدولة ذات المليار و300 مليون نسمة، في حين يسجل الغرب أكثر من 60 في المائة من حالات العالم سواء الموتى أو الإصابات.
وإلى ذلك يحلل المؤلف مختلف التقارير والآراء التي تتحدث عما يسمى « الحرب الباردة الثانية »، وهذه المرة بين بكين وواشنطن وليس بين واشنطن وموسكو. مذكرا بقرارات الإدارة الأميركية نهاية 2009 عندما اعتبرت الصين الغريم المستقبلي، موردا أنه لم يعمل فيروس كورونا سوى على إضفاء الطابع الرسمي لحرب من هذا النوع، والتسريع بها لتصبح المعطى الجديد الذي يقسم العالم.
ولفت الكاتب إلى أن العالم سيخرج من هذا الوباء أكثر انقسامًا. لذلك فهو يواجه الآن اندلاع « الحرب الباردة الثانية » رسميًا، هذه المرة بين الصين والولايات المتحدة. بسبب ما سماه نقص التعاون.
ضرورة المصير المشترك
في هذا الشأن يدعو الكاتب، إلى رهان البشرية على أجندة موحدة نحو المصير المشترك الواحد من خلال إعادة التعليم والبحث العلمي الى واجهة الانشغالات بعيدا عن الأيديولوجيات والصراعات السياسية، ويستشهد بأن البشرية تقدمت بعلماء أمثال ابن سينا ونيوتن وأينشتاين ولويس باستور وليس بسياسيين.
ولفت الكاتب، الذي انتقل إلى مدينة ريدينغ البريطانية في صيف 2019، بعد نحو ربع قرن قضاه بإسبانيا، إلى ما يصفه ب « خيبة أمل » غالبية مواطني العالم عندما اعتقد كثيرون بداية تفشي جائحة فيروس كورونا أن البشرية قد وصلت لدرجة معينة من النضج للمشاركة والعمل الجماعي في مواجهة التحدي الجديد، والسعي لتطوير لقاح عالمي بتنسيق من الأمم المتحدة، لكن ما حدث في الواقع كان محاولة كل دولة صناعة لقاحات « قومية » مما يوحي بأن البشرية ستخرج من الجائحة أكثر انقساماً.
ويحصي المؤلف الخسائر البشرية والاقتصادية، وكيف سيكون ضحايا ما بعد مرحلة كورونا أكثر بكثير من الموتى بسبب الفيروس، إذ ستكون الخسائر الاقتصادية مستقبلا خطيرة وتهدد النموذج المالي الاقتصادي بالانهيار، وهذا سيرفع من نسبة الانتحار والموت بسبب الحرمان. معتقدا باستمرار هذه الخسائر سنوات طويلة مثلما يحدث دائما مع الكوارث والحروب الكبرى، وفق تقارير إعلامية.
الرهان على العلم والعلماء
وفي هذا السياق يرى المجدوبي ضرورة أن يكون القرار الأخير بشأن الأوبئة العالمية في يد لجنة علمية قوية وليس في يد رؤساء (دول وحكومات) وإن جرى انتخابهم ديمقراطيا. ويدعو إلى تعزيز صلاحيات المنظمة العالمية للصحة بعيدا عن المزايدات السياسية لتكون بمثابة طبيب العالم.
ويتطرق الكتاب إلى الانتقادات التي توجه إلى العلماء بالتقصير في إيجاد دواء سواء لمعالجة مرض كورونا أو اللقاح الذي يحمي الإنسان من الإصابة به.، مطالبا بأن يتم الأخذ بعين الاعتبار أن البحث العلمي لم يبلغ المنتهى وخاصة في المجال الطبي، فقد عجز عن إيجاد أدوية للكثير من الأمراض ومنها الناتجة عن الفيروس مثل مرض السيدا، معتبرا في المقابل أن العلم في آخر المطاف ينجح في التغلب على الأمراض المعدية. وبفضله تتقدم البشرية وتحافظ على نفسها من الفناء. معتقدا أن جزء من القصور يعود إلى تقاعس الدول في تمويل أجندة حقيقية للعلماء مما يحد من حريتهم، كما أنها تركت صحة المواطنين في يد الشركات المتعددة الجنسيات التي تبحث عن الربح أكثر من القضاء على الأمراض.
وسجل الكاتب في مؤلفه الذي يعد من المحاولات المبكرة لدراسة الجائحة من قبل الكتاب العرب، أنه ما أحوج العالم اليوم الى علماء من طينة الفرنسي باستور الذي عمل بكل حرية بعيدا عن تأثير الشركات التي لم تكن موجودة في وقته.
Poster un Commentaire