logo-mini

برنامج مقاولتي : رحلة التخلص من شبح البطالة تنتهي في ردهات المحاكم

Partager

برنامج مقاولتي : رحلة التخلص من شبح البطالة تنتهي في ردهات المحاكم

لطالما اعتبر ملف التشغيل بالمغرب كرة لهب تتقاذفها الحكومات المتعاقبة، حيث حاولت  هذه الحكومات عبر برامجها الحكومية المتتالية ومن خلال  سياسات واستراتيجيات، فتح منافذ جديدة للتشغيل  لامتصاص ظاهرة البطالة التي تشمل شريحة واسعة من السكان، فأرقام المندوبية السامية للتخطيط الخاصة بسوق الشغل  تظهر أن معدل البطالة، استقر في نسبة 10 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2018 .

وفي محاولاتها لإنعاش التشغيل أطلقت الحكومات المتعاقبة برامج للتشغيل الذاتي، بداية مع حكومة عزالدين العراقي التي وضعت سنة 1987 برنامج «سلف المقاولين الشباب»، برنامج استهدف حينها الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين21 و40 سنة ، غير أن هذا البرنامج لم يحقق الاهداف المرجوة منه، مرورا بالبرنامج الثاني هو « برنامج مقاولتي » الذي سطرته حكومة عباس الفاسي في سنة 2006،  ولم يكن أحسن حالا من سابقه وكان مصيره أيضا الفشل.

برنامج مقاولتي : أحلام شباب تحولت إلى ألام

كان ولا يزال التشغيل أحد التحديات الكبرى التي تواجه الحكومات المغربية المتعاقبة،حيث تظهر أرقام المندوبية السامية للتخطيط أنه فيما بين الفصل الأول من  سنة 2017 ونفس الفترة من سنة 2018 بلغ  معدل البطالة 25,7 في المائة لدى الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة و 43,5  في المائة ، في صفوف الحضريين منهم، مقابل 10,5 في المائة بالنسبة لمجموع الأشخاص البالغين من العمر 15 سنة فما فوق.

 ومن أجل التقليص من نسبة البطالة لدى فئة الشباب ، لجأت الحكومة المغربية سنة 2006 إلى إقرار نظام التشغيل الذاتي، عبر خلق برامج على شاكلة مبادرات التشغيل بهدف خلق 90 ألف منصب شغل في أفق سنة 2008 ، من خلال برنامج « مقاولتي ».

يطمح برنامج « مقاولتي » حسب الأهداف التي حددت له  إلى مساعدة الشباب من حاملي المشاريع، الذين يتراوح رقم معاملات استثماراتهم بين 50 ألف درهم و250 ألفا، من خلال إحداث مقاولاتهم الخاصة، عبر مصاحبتهم قبل وبعد إنشاء المقاولة ، وذلك في ظل وعود تمويلية تهم ضمان القروض من قبل الدولة في حدود 85 في المائة من قيمــة القرض، وتفويض تدبير الضمانــة الممنوحة من قبــل صنــدوق الضمان المركزي إلى البنوك، علاوة على  منح تسبيق بدون فوائد يمثل 10 في المائة من القيمة الاستثمارية للمشروع في حدود 15.000 درهم يؤدى على مدى 6 سنوات مع مدة إمهال تبلغ 3 سنوات.

ورفع برنامج « مقاولتي »، شعار إحداث  « 30 ألف مقاولة من أجل خلق 90 ألف منصب شغل ما بين 2006 و2008″،  وحدد تمويلات تصل إلى 500 ألف درهم، مع ضمان الدولة لنسبة 85 في المائة من القرض لكل مشروع.

كل هذه الأرقام والمحفزات أغرت مئات الشباب المغاربة، بخوض تجربة التشغيل الذاتي، بيد أنه لم يخطر ببال الشباب الذين انخرطوا في برنامج « مقاولتي »، أن تتحول أمالهم في الالتحاق بالبرنامج الذي أطلقته حكومة عبّاس الفاسي، سنة 2006، لضمان مكان لهم في سوق الشغل وتحسين مستوى عيشه، إلى ألام ألمت بهم وبعائلاتهم وجعلتهم بين مطرقة متابعات قضائية من لدن المؤسسات البنكية وسندان إفلاس جر الكثير منهم إلى دائرة الأمراض النفسية.

وفي هذا الصدد طالبت الهيأة المغربية لمقاولات التشغيل الذاتي التي تضم ضحايا برنامجي « مقاولتي » و »إفلوسي » في بيان لها، عقب عقدها لليوم الوطني الأول ، بالمقر المركزي للمنظمة الديمقراطية للشغل يوم السبت 13 أبريل 2019 بالرباط، (طالبت)  بوقف المتابعات القضائية في حق 1800 شاب وشابة من ضحايا برنامجي « مقاولتي’ و »افلوسي »، مهددين بالإعتقال، منبهة إلى تخلي الدولة عن التزاماتها في إنجاح هذا البرنامج، الذي وصفته بـ « المشؤوم »، محذرة الشباب من السقوط في شباك البرامج المقبلة الخاصة بالتشغيل الذاتي.

وطالبت الهيأة المغربية لمقاولات التشغيل الذاتي الحكومة بتحمل مسؤوليتها في إيجاد حل نهائي وجذري لهذه القضية التي عمرت لأزيد من عشر سنوات، داعية وزير التشغيل والإدماج المهني محمد يتيم إلى الالتزام بإنصاف هذه الفئة من شباب المملكة، مطالبة في نفس الآن جميع الأحزاب الوطنية والفرق البرلمانية وكافة الهيآت الحقوقية الحية والنقابية والمؤسسات العمومية إلى تضافر جهودها من أجل إنهاء هذا الكابوس.

ولوحت الهيأة بأنه في حال عدم التراجع عن المتابعات القضائية باللجوء إلى القضاء ورفع دعوة قضائية للمطالبة بفتح تحقيق في الموضوع من أجل تحديد المسؤوليات في فشل هذه البرامج.

وكان الإتحاد الوطني لجمعيات شباب مقاولتي اعتبر في تقرير له حول برنامج « مقاولتي » تحت عنوان المتابعات القضائية، أحكام ببيع المرهون، الإكراه البدني إلى الحجز التعسفي، سنة 2012 ، أن معظم هذه المشاريع المحدثة ضمن برنامج « مقاولتي »، للأسف الشديد قد أفلست وتحول  أصحابها من مسيري شركات ومقاولين، إلى الشوارع من جديد، في موعد مع البطالة ، فيما أصبح العديد منهم مهددا بالمتابعات القضائية من قبل الأبناك الممولة للمشاريع، مشيرا إلى صدور أحكام البيع بالمزاد العلني على بعض المشاريع، والباقي منها على حافة الإفلاس.

الفشل الذريع الذي مني به برنامج « مقاولتي » كان خلال الفترة الممتدة ما بين 2007 و2011، حيث لم يتعدى عدد المقاولات المحدثة 3500 مقاولة، ما يجعل هذه الحصيلة لا ترقى إلى الأهداف المسطرة والمتمثلة في إحداث 30 ألف مقاولة سنويا. أما على مستوى التشغيل، عجزت هذه المقاولات المحدثة عن ملامسة سقف الطموحات المحدد في 90 ألف منصب شغل، حيث لم يتعدى عدد مناصب الشغل المحدثة سوى 6180 منصب ، علما أن 1700 مشروع منا لم توافق الأبناك على تمويلها معتبرة إياها مشاريع ممولة ذاتيا أي ما يعادل 3 في المائة من أهداف البرنامج .

أمام هذه الحصيلة المتواضعة التي وسمت مسار برنامج « مقاولتي » لم تجد العديد من المؤسسات العمومية الوطنية مناصا من إعلان إفلاس هذه المبادرة وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي.

فشل برنامج « مقاولتي » بعيون مؤسسات عمومية وطنية

تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي غطى الفترة ما بين 2006 و2008، أكد أن عدد المقاولات المحدثة في إطار برنامج “مقاولتي”  لم تتعدى ألفا و415 مقاولة، من أصل 30 ألفا التي كانت مستهدفة،ما يمثل معدل إنجاز لم يتجاوز 5 في المائة.

 ولفت المجلس، إلى أن عدد المقاولات التي تم إنشاؤها يشكل فقط 4 في المائة من مجموع حاملي المشاريع المسجلين لدى شبابيك برنامج « مقاولتي »، بالإضافة إلى  10 في المائة  من حاملي المشاريع الذين تم انتقاؤهم من قبل لجنة الفرز، و14 في المائة من حاملي المشاريع الذين تمت مصاحبتهم من قبل شبابيك البرنامج.

ومن جهة أخرى سار المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي على نهج الانتقادات، حيث أكد تقرير للمجلس حول تقييم نتائج سياسة التشغيل صدر سنة 2012، فشل برنامج مقاولتي، موضحا أنه  لم يستفد من هذا البرنامج سوى 4000 شاب من  أصل 30 ألفا، التي سطرت للبرنامج في البداية، موضحا  أن 26 ألف شاب أقصوا من الاستفادة من هذا البرنامج.

 ولفت تقرير المجلس إلى أن النتائح المحققة غير مرضية بتاتا، مؤكدا التفاوت الحاصل بين الأهداف المعلنة والنتائج المحققة، مشيرا إلى أن إجراءات برنامج مقاولتي لم تأت بفائدة لبعض فئات الشباب التي تعاني كثيرا من البطالة، خاصة الشباب العاطلين المنقطعين عن الدراسة، والذين ليست أمامهم أي «فرصة ثانية» في مجال المدرسة غير النظامية أو التدرج المهني، بالإضافة إلى الشباب حاملي الشهادات من أبناء المدن الصغيرة والمتوسطة، الذين لم يستفيدوا إلا بشكل ضئيل من هذه البرامج، في غياب نسيج اقتصادي قريب منهم، وكذلك العاطلين الذين طال أمد بطالتهم، أو الذين يعانون من وضعية إقصاء أو إعاقة.

و من أجل تدارك الفشل الذي طبع برنامج « مقاولتي » أطلقت حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2015 برنامجا آخر للتشغيل الذاتي تحت مسمى « المقاول الذاتي »، فيما وقعت حكومة سعد الدين العثماني في أبريل 2018 على ميثاق إطلاق برنامج التعبئة الوطنية لتمكين الشباب، « ممكن » (المخطط الوطني للنهوض بالتشغيل). بهدف إحداث مليون و200 ألف منصب شغل.

برامج بديلة لبرنامج « مقاولتي » الفاشل

كشفت الحكومة المغربية عن نظام « المقاول الذاتي » هو صيغة مقاولاتية جديدة أحدثها ظهير شريف رقم 1.15.06 صادر في 19 فبراير 2015، بتنفيذ القانون رقم 114.13 المتعلق بنظام المقاول الذاتي بهدف الحد من البطالة وتشجيع العمل الحر مع تسهيل الإجراءات الإدارية إلى أقصى حد.

ويقصد بالمقاول الذاتي،  كل شخص ذاتي يزاول باسمه الشخصي وبصفة فردية ولحسابه الخاص نشاطا مستقلا يعتمد على عمله وعلى كفاءته ويدر عليه دخلا ويمارس نشاطا تجاريا أو صناعيا أو حرفيا أو يقدم خدمة شريطة أن يكون رقم أعماله السنوي يقل أو يعادل 200 ألف درهم بالنسبة للخدمات و500 ألف درهم بالنسبة للأنشطة التجارية أو الصناعية أو الحرفية.

نظام المقاول الذاتي لا يحتاج إلى مكتب أو متجر، حيث يمكن ممارسة النشاط في المنزل ، وفي حالة إفلاس المشروع أو النشاط فإن المنزل يظل بمنآى عن الحجز من لدن السلطات المختصة. ويمكن نظام المقاول الذاتي  من التعامل مع الزبناء من خلال إصدار الفواتير.

وبخصوص الامتيازات الضريبية التي يوفرها النظام تتجسد في الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة ويؤدى فقط الضريبة على الدخل حسب نوعية النشاط ، حيث تتم تأدية 2 في المائة من رقم المعاملات إذا كان النشاط الممارس في مجال الخدمات، و1 في المائة على مداخيل الأنشطة الحرفية أو الصناعية أو التجارية. علاوة على الإعفاء من الضريبة المهنية لمدة 5 سنوات الأولى دون الحاجة إلى تقديم حصيلة الحسابات للإدارة الضريبية.

إلى ذلك كشفت حكومة سعد الدين العثماني سنة 2018 في تقديمها لحصيلة سنة من عملها، أن عدد المسجلين في نظام التشغيل الذاتي ارتفع من 32400 سنة 2016 إلى 59060 متم 2017، موضحة أن 41257 مقاولة تم إنشاؤها سنة 2017، مقابل 5690 مقاولة أفلست في السنة نفسها، علما أنه تم استثناء 40135 مقاولة سنة 2016 و5195 مقاولة افلست سنة 2016.

وأضافت أن 1.6 مليار درهم هو حجم القروض المقدمة للمقاولات المتوسطة والصغيرة جدا من قبل صندوق الدعم المالي للمقاولات بإستفادة 100 مشروع « 800 مليون درهم تكفلت بها الأبناك، و800 مليون درهم من صندوق الضمان المركزي ».

ومن جهة أخرى تم خلال يوم الجمعة 27 أبريل 2018 التوقيع تحت إشراف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على ميثاق إطلاق برنامج التعبئة الوطنية لتمكين الشباب، « ممكن » (المخطط الوطني للنهوض بالتشغيل).

بلاغ لرئاسة الحكومة  أكد أن برنامج « ممكن »  الذي يرتكز على خمسة أهداف خلال الفترة ما بين 2017-2021  يطمح لإحداث مليون و200 ألف منصب وفرصة شغل في إطار الاستراتيجيات والمخططات القطاعية، وتحسين قدرات التوظيف للشباب وملاءمة كفاءاتهم ومهاراتهم مع حاجيات سوق الشغل، وذلك من خلال تكوين قصير المدة ومتنوع التخصصات لـفائدة مليون من باحثين عن الشغل، علاوة على  تقديم الدعم من خلال تحفيزات في إطار العمل المؤجر لفائدة أكثر من نصف مليون باحث عن عمل، وكذا مواكبة إنشاء 20 ألف مشروع مقاولاتي « شركات ناشئة، مقاولات جد صغيرة ومتوسطة، المقاول الذاتي »، مع الحفاظ على معدل النشاط لأكثر من 46 في المائة.

وبفضل برنامج « ممكن » حسب نفس البلاغ، سيتمكن الشباب  من إحداث عملهم الخاص، أو إقامة مشاريعهم المقاولاتية، إذا كانوا مبدعين واعتمدوا النهج المناسب، فسيكون متاحا إيجاد تدريب أو شغل، شريطة التوفر على روح المثابرة وتقديم التضحيات والشروع في العمل، فكل شاب قادر على إنجاح مشروعه، مسؤول على مستقبله، يمكنه المضي قدما وبإصرار عبر الاستفادة من الآليات والبرامج التي توفرها له الحكومة.


Poster un Commentaire

dix-huit − 7 =

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.